الفصل الرابع
الفعالية المنظمية
مفهوم الفعالية المنظمية
الفعالية والكفاءة
مداخل الفعالية المنظمية
خصائص الفعالبة المنظمية
الفعالية المنظمية
وسوف يتناول هذا الفصل عرضاً لمفهوم الفعالية المنظمية يليه الفرق بين مفهوم الكفاءة والفعالية المنظمية ثم يتناول مداخل الفعالية المنظمية، وقياسها، ثم يلي ذلك مشكلات قياس الفعالية، وأخيراً خصائص المنظمة الفعالة.
أولاً : مفهوم الفعالية المنظمية :
يعتبر مفهوم فعالية المنظمات من المفاهيم التي تناولتها كثير من الدراسات الاجتماعية بوصفه حجر الأساس في أداء المنظمات ولكن تظهر بعض الصعوبات عند دراسة الفعالية بسبب تقارب هذا المصطلح مع غيره من المفاهيم، وكذلك صعوبة اختيار المقاييس المناسبة ، وفيما يلي أهم المناقشات النظرية التي تتعلق بتعاريف الفعالية :
فالفعالية هى "الظاهرة التي تقوم على انتاج أثر حاسم في زمن محدد، كما يقصد بهذه الكلمة حالة وضع قائمة فعلاً فيقال فعالية جماعة العمل أي قيامها بالجهد المطلوب، وفعالية التنظيم بمعنى أنه يحقق أهدافه".
وعرفت بأنها" الأداء الأمثل للنتائج المخططة عن طريق كفاءة استخدام الموارد المحدودة في ظل الظروف البيئية التي تعمل فيها المنظمة".
كما تم تعريفها بأنها" مدى قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها ومواءمتها مع البيئة الخارجية".
وأي منظمة تعتمد في قدرتها على تحقيق أهدافها على أربعة محاور رئيسية هي :
1- مدى توافق المنظمة في أداء مهمتها مع ما تتطلبه الظروف والاحتياجات البيئية.
2- مدى محافظة المنظمة على كيانها وتنظيمها الداخلي.
3- مدى تحقيق المنظمة لأهدافها تحقيقاً شاملاً.
4- مدى تكامل وحدات أو إدارات أو فروع المنظمة أفقياً ورأسياً مع بعضها البعض.
ويختلف تعريف فعالية المنظمات وفقاً لاختلاف الغرض من هذا التعريف :
فإذا كان المدخل هو الهدف فتعرف الفعالية على أنها قدرة المنظمة على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها .
أما إذا كان المدخل هو موارد النظام فتعرف الفعالية هنا على أنها قدرة المنظمة على اقتناء الموارد "المدخلات" وقدرتها على امكانية تخطيط الموارد المستغلة وفي نفس الوقت قدرتها على زيادة الإنتاج .
وإذا كان المدخل هو العمليات فتعرف انفعالية هنا على أنها مدى تصاف المنظمة، بخصائص تنظيمية معينة تحقق التوازن الأمثل بين الأنشطة المختلفة المتعلقة بقدرة المنظمة على تحقيق التكيف أو التأقلم أو الاستمرار .
وإذا كان المدخل هو الجمهور فتعرف الفعالية هنا على أنها درجة إشباع المنظمة لحاجات جمهور المتعاملين مع المنظمة سواء إذا كانوا من العاملين بالمنظمة أو العملاء أو الموردين أو المجتمع المحلي بصفة عامة .
وبناء على ذلك يمكن استخلاص العناصر التى يتضمنها مفهوم الفعالية وهي:
1- قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها الخاصة.
2- قدرة المنظمة على التفاعل بينها وبين الظروف الداخلية والخارجية.
3- قدرة المنظمة على التكيف مع المؤشرات البيئية الخارجية.
4- قدرة المنظمة على الاستجابة لإشباع حاجات وتوقعات أفرادها.
5- قدرة المنظمة على تحقيق التوازن الأمثل بين الأنشطة المختلفة للمنظمة.
6- قدرة المنظمة على الاستمرارية في ظل ظروف المجتمع المحلي الذي تعمل فيه.
ونظراً لارتباط مفهوم الفعالية بمفهوم الكفاءة قد يحدث خلط بين المفهومين لذلك سوف نوضح الاختلافات بينهما.
ثانياً : الفعالية والكفاءة :
يرتبط مفهوم الفعالية في الفكر التنظيمي بمفهوم الكفاءة كمؤشرين أو وجهين لعملة واحدة هي المنظمة الناجحة أو الفعالة ومصدر العلاقة بين الفعالية والكفاءة هو ارتباطهما بعلاقة مباشرة لتحقيق الأهداف المنظمية .
والعلاقة بين الكفاءة والفعالية تثير بطبيعتها التساؤل عن مدى التعارض بينهما فالتركيز على الكفاءة بهدف تقليل الكلفة مؤشراً للاستخدام الأمثل للموارد يمكن أن يقود إلى نتائج غير مقبولة، وهذا يشير إلى النظرة القصيرة المدى للفعالية والكاءة، أما النظرة الطويلة المدى فهي الطريق لفهم فعالية المنظمة بأنها القدرة على التكيف المستقبلي للبيئة.
كما يمكن التفرقة بين الفعالية والكفاءة، على أساس أن الأولي تعني مدى نجاح المنظمة في تحقيق أهدافها، أما الكفاءة فهي تعني مدى توفير الموارد المادية والبشرية عند القيام بالعمليات والأنشطة اللازمة لتحقيق الأهداف مقارنة بالمخرجات أو النتائج التى تحققها المنظمة.
وكذلك يمكن القول بأن الفعالية هي محصلة تفاعل مكونات الأداء الكلي للمنظمة بما تحتوية من أنشطة فنية ووظيفية وإدارية وما يؤثر فيها من متغيرات داخلية وخارجية لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف خلال فترة زمنية معينة، أما الكفاءة فهي قدرة المنظمة على الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة في الإنتاج.
وهناك بعض الخطوط الفاصلة بين الكفاءة والفعالية كما يلي :
1- التحليل اللغوى لكل منهما سواء كان من قواميس اللغة العربية أو الإنجليزية حيث تعني الكفاءة لغوياً القدرة على القيام بالعمل وحسن تصريفه، أما الفعالية فتغني القدرة على التأثير الفعلي، وفي قواميس اللغة الإنجليزية فإن الكفاءة تعني المقدرة أو الجدارة أو التفوق أو استحضار المهارة، وتعني أيضاً القدرة على نقل ما نحتاجه بمهارة، أما الفعالية في القواميس الإنجليزية فهي تعني إمتلاك القوة للوصول إلي نتيجة مرغوبة وإبراز تأثير مرغوب.
2- وبالنظر إلى التعريفيين من الناحية الاجتماعية فنجد أن الكفاءة هي : قدرة الفرد وتمكنه على تحقيق الأعمال المطلوبة بمهارة واقتدار وهي أيضاً القدرة على تحقيق الأهداف، أما الفعالية فهي المقدرة على القيام بالعمل المطلوب بالشكل الذي يحقق التأثير المطلوب، وهي القدرة على التأثير النشط والضبط عبر المواقف المختلفة فبالتدقيق في المفهومين يلاحظ أيضاً أن كلاهما قدرة ولكنها في الكفاءة قدرة على تحقيق الأهداف وفي الفعالية قدرة على إحداث التأثير المطلوب وهو ما يتفق إلى حد كبير جداً مع نفس التفسير السابق للمعنى اللغوي للمفهومين.
3- الكفاءة تهتم بتوافر الامكانات الشخصية لدى الفرد لتمكينه من حل المشكلات وتحقيق الأهداف بما يفوق نظرائه في ذلك، أما الفعالية فهي تهتم بالسلوك الأدائي الموجه للتمكن من فعل ما سوف تفعله الكفاءة، أي أنها تهتم بالجانب العملي الذي يخرج إلى حيز التنفيذ.
4- الكفاءة تشير إلى حسن تحويل المدخلات إلى مخرجات فكلما ارتفعت نسبة أو قيمة المنتج بالنسبة إلى ما تم استخدامه لتحقيق هذا المنتج كلما كانت الكفاءة أكثر أي أن الكفاءة = المخرجات والمدخلات أي أن الكفاءة هنا تقيس جودة عملية التحويل، أما الفعالية فتركز على مدى جودة المنتج، ومدى مناسبته للبيئة أو مدى إمكانية إعادة التدوير أو تحويلها إلى مدخلات.
5- الكفاءة تأخذ في اعتبارها عامل الوقت لأنها تتعامل مع مدى انتاج أكبر كمية من المنتجات بأقل تكلفة كلية وفي زمن محدد أما الفعالية لا تأخذ في إعتبارها عامل الوقت.
6- الكفاءة تهتم بمدى الانجاز ولكن الفعالية تهتم بالمحافظة على هذا الإنجاز وتهتم بالعمل على الإبقاء عليه.
7- الفعالية أعم وأشمل وتعني ماهو أكثر من الكفاءة فالفعالية مصطلح يتصف بالتركيب والتعقيد بدرجة أكبر من الكفاءة التي ترتبط بأشياء محددة ومعروفة.
ثالثاً : مداخل الفعالية المنظمية :
تعد دراسة فعالية المنظمات من الدراسات التي عني بها كثير من الباحثين عند دراستهم للمنظمات الاجتماعية، لذلك فقد تعددت اهتماماتهم نحو تقديم عدة مداخل لقياس تلك الفعالية، وفيما يلي عرض لأهم المداخل التي أوردها المهتمون بدراسة فعالية المنظمات :
1- مدخل الأهداف Goal Approach :
يعتبر هذا المدخل من أكثر المداخل شيوعاً في قياس الفعالية المنظمية حيث أنه يهتم بمدى تحقيق المنظمة لأهدافها والوصول إلى النتائج المطلوبة، ومن هنا تصبح الأهداف التنظيمية هي المدخل الملائم لدراسة المنظمة وقياس فعاليتها .
ويعتبر هذا المدخل طريقة مناسبة لتحديد الفعالية في حالة إذا ما أريد معرفة تحقيق المنظمة لأهدافها الموضوعية من خلال درجة تسرب العاملين والغياب والانتاجية .
وفي ضوء هذا المدخل فان فعالية المنظمة تتوقف على تحقيق كامل أو جوهري للأهداف وتزداد فعالية المنظمات باستغلال موارد أكثر لتحقيق أهدافها، وتوجه لهذا المدخل مجموعة من الانتقادات والرد عليها وهي كالتالي :
الأول : وهو ما يتعلق بصعوبة تعريف الأهداف ذاتها كمفهوم محوري يرتكز عليه هذا المدخل وبالتالي عدم إمكانية تطبيق هذا المدخل والاستفادة منه عملياً.
وكان الرد على هذا الانتقاد أنه ليس هناك صعوبة في تعريف الأهداف لأن كل منظمة يمكن أن توسع نطاق أهدافها في ضوء الإمكانيات المتاحة لها للتكيف مع المجتمع.
الثاني : يفترض مدخل الأهداف أن التنظيمات بناءات ذات طابع استاتيكي، وهذا افتراض غير واقعي لأن كل التنظيمات تتصف بالديناميكية، فهي تتغير من حيث الحجم، والتعقيد، والوظائف، والعضوية.
بالنسبة لهذا للانتقاد كان الرد عليه هو أن التنظيمات ليست بناءات ساكنة ولكن يحدث داخلها تفاعلات اجتماعية ينتج عنها مخرجات تحقق أهدافها التي تعمل من أجلها.
الثالث : يرى هذا المدخل أن النموذج ينطوى على مقارنة غير واقعية بين تصور مثالى للأهداف وتصور آخر حقيقي، ومثل هذه المقارنة في رأيه مضللة لأنها تعني أن المنظمة موضوع البحث ليست ذات فعالية كبيرة في إنجاز أهدافها.
وكان الرد على هذا الإنتقاد أنه ليس قصوراً في أن يكون هناك عدة أهداف مثالية وحقيقية لأن كل منظمة لها أهدافها الحقيقية والموضوعية التي تعمل على تحقيقها "قريبة المدي" كما أن لها أهدافها أخرى وفعالية "بعيدة المدى" وهذا التصور للأهداف يوجد في كل منظمة .
2- مدخل العمليات Process Approach :
ويسمى هذا المدخل بمدخل النسق المغلق Closed System حيث أنه يركز على العمليات التنظيمية الداخلية للمنظمة باعتبارها خصائص محددة للفعالية حيث يضع هذا المدخل عدداً من الخصائص التنظيمية لوصف الفعالية تتمثل في تقليل الاجهاد والتوتر داخل المنظمة، وتحقيق درجة من التكامل من أهداف الأفراد وأهداف المنظمة ودرجة الاستفادة من طاقات الأفراد والجماعات، ودرجة تدفق المعلومات رأسياً وأفقياً داخل المنظمة ومدى سهولة أداء الوظائف الداخلية ، ومدى توفير المناخ الذي يشجع على النمو في المنظمة .
ومن أهم مقاييس هذا المدخل هي المرونة، والحصول على العمالة واستقرارها واستخدامها والتكيف .
أما ما يؤخذ على هذا المدخل فيتمثل في صعوبة اخضاع العمليات المنظمية للدراسة والتحكم حيث أن توافر خصائص منظمية معينة ليس دليلاً على فعالية المنظمة، بجانب تجاهله لمجموعة من الأبعاد الهامة والمؤثرة على الفعالية منها على سبيل المثال المخرجات والمدخلات، بالإضافة إلى تجاهله لعلاقة المنظمة مع البيئة الخارجية .
3- مدخل موارد النظام System Resources Approach :
هذا المدخل يعتمد في قياس الفعالية على قدرة المنظمة على الحصول على الموارد من البيئة الخارجية، والمحيطة بالمنظمة وكذلك فإن هذا المدخل يحلل قدرات متخذي القرارات في المنظمة على توزيع الموارد بين الأهداف المتنافسة بكفاءة إضافة إلى ذلك فإنه يحاول قياس نجاح هؤلاء الأشخاص في تأمين الموارد الكافية لضمان مواجهة الحد الأدني من هذه الأهداف، ويتعامل هذا المدخل مع المنظمة كجهاز مفتوح فالمنظمة ترتبط بعلاقات تبادلية وتنافسية مع البيئة المحيطة، وقد وجهت بعض الإنتقادات إلى هذا المدخل أهمها :
1- ركز هذا المدخل على وسائل بقاء المنظمة أكثر من فعاليتها على الرغم من أن البقاء في حد ذاته لا يعبر عن الفعالية، فهناك منظمات كثيرة مستمرة رغم عدم فعاليتها.
2- اهتم بالفائض المنظمي أكثر من الفعالية أي اهتم بوجود موارد احتياطية تستخدم لمقابلة المؤثرات غير المتوقعة أكثر من اهتمامه بالكفاءة الإنتاجية.
3- المدخل الجهازي System Approach :
وتتوقف فيه فعالية أي منظمة على درجة نجاحها في حل المشكلات وتوفير المتطلبات الأساسية اللازمة لبقائها واستمرارها، ويرى بارسونز كما سبق ذكره أن هناك أربعة متطلبات أساسية لازمة لاستمرار أي جهاز اجتماعي، هذه المتطلبات تمثل محاور فعالية أي منظمة وهي التكيف وتحقيق الأهداف، والتكامل، والصيانة ويري هذا المدخل أن فعالية المنظمة لا يمكن افتهامها إلا في صورة كلية وتفعالية مع البيئة المحيطة .
4- مدخل التطوير المنظمي الذاتي Self Development :
ويركز هذا المدخل على قدرة المنظمة على تطوير ذاتها بذاتها كمعيار للحكم على مدى فعاليتها في نطاق إطار سلوكي متعدد المتغيرات والأبعاد، حيث يتم التأكيد بشكل خاص على المتغيرات الإنسانية التي تؤثر في البيئة والتي تتأثر بها وبمدى قدرة المنظمة على مواجهة الاحتياجات الجماعية لكافة أفرادها، كما يعمل هذا المدخل على دمج الأهداف التنظيمية مع الاحتياجات الفردية للنمووالتطور كما أنه يهدف بالدرجة الأولي إلى تصميم منظمة أكثر فعالية وعملية .
ويعاب على هذا المدخل أن الأهداف تكون معنية بالوضع النفسي للمنظمة ومن ثم فإنها تخضع للتقييم الشخصي فقط، ومن ناحية أخرى فإن هذا المدخل يمتاز بإنه أسلوب يعترف بأن فعالية المنظمة تقيم بقدراتها على التطوير الكافي لأفرادها العاملين بها على جميع مستوياتهم وليس فقط بمعايير الكفاءة والإنتاج .
5- مدخل جمهور المتعاملين Constituency Approach :
تحدد درجة فعالية المنظمات وفق هذا المدخل بدرجة إشباعها لحاجات وتوقعات جمهور المتعاملين معها بما في ذلك العاملين فيها وأى جماعات أخرى يعتبر تعاونها ضرورياً لبقاء واستمرار المنظمة وتعرف الفعالية وفق هذا المدخل على أنها مدى احساس أعضاء المنظمة بالحرية في استخدام المنظمة ومكوناتها لتحقيق أهدافهم.
ويؤخذ على هذا المدخل الآتي :
أ- صعوبة الإتفاق على معيار معين وفق هذا المدخل لتقييم فعالية المنظمة، وذلك نظراً لتعارض حاجات كل طرف بالإضافة لصعوبة إشباع جميع الأطراف في آن واحد.
ب- ان هذا المدخل لا يأخذ في اعتباره الأهمية النسبية لحاجات ورغبات كل طرف من أطراف المتعاملين مع المنظمة، ومدى تأثير ذلك على أدائها.
ج- يصعب في ظل هذا المدخل تقويم فعالية المنظمة خاصة في حالة تغيير الأطراف المتعاملة معها أو تغيير احتياجات كل طرف .
7- المدخل الإتجاهي السلوكي Behavioral Attitudinal Approach :
يتم قياس الفعالية وفق هذا المدخل من خلال التعرف على خصائص الأفراد بالمنظمة وخاصة خصائصهم السلوكية، وحتي تكون المنظمة فعالة فإنه ينبغي أن تتفق سلوكياتهم وما يتطلبه العمل المنظمي ومن أهم مؤشرات قياس الفعالية في هذا المدخل عدم وجود صراعات داخل المنظمة، ومعدل دوران العمل، حالة الأفراد المعنوية، ونسب غياب العاملين، ورضا العاملين عن عملهم بالمنظمة .
8- مدخل الكفاء Efficiency Approach :
وهذا المدخل يعتمد على العلاقة بين المدخلات والمخرجات في الحكم على الفعالية المنظمية، ولكنه لا يعتبر كافياً كمؤشر للحكم على فعالية المنظمة حيث أن المنظمة قد تكون ذات كفاءة ولكنها غير فعالة .
من العرض السابق لمداخل الفعالية المنظمية نجد أن كل مدخل يركز على جانب معين في قياسه للفعالية المنظمية بإستثناء مدخل "المدخل الجهازي" في قياس الفعالية المنظمية بمحاورة الأربعة وذلك لتميزه عن المداخل الأخرى حيث أنه من أكثر المداخل ملائمة وشمولاً ويمكن على أساسه تصنيف معايير الفعالية في المداخل الأخري
رابعاً : العلاقات المتداخلة بين أنظمة الفعل الاجتماعي :
على الرغم من استقلالية كل نظام عن بقية الأنظمة الجزئية الأخرى، فإن تلك الأنظمة تكون متساندة فيما بينها، وتتداخل مع بعضها ويعتمد أداء كل منها على أداء وظائف الأنظمة الأخرى وأن تكامل وبقاء كل نظام يكون متوفقاً بدرجة كبيرة على تكامل وبقاء الأنظمة الآخرى، وبالتالي يصعب الحديث عن أي من هذه الأنظمة الجزئية الأخرى، ويرى بارسونز أن على عالم الاجتماع الذي يريد دراسة وتحليل، وفهم النظام الاجتماعي أن يدرس تأثير بقية أنظمة الفعل الأخري ثقافية وشخصية وعضوية وسلوكية ، نتيجة لوجود تداخل واعتماد متبادل بين هذه الأنظمة المختلفة للفعل الاجتماعي الإنساني.
وهناك عدة مستلزمات لا يستطيع المجتمع أو الجهاز الاجتماعي البقاء بدونها، وهذه المستلزمات هي التكيف وتحقيق الأهداف والتكامل والصيانة.
أ- التكيف Adaptation :
وتسمي أيضاً المواءمة حيث يكون لكل جهاز اجتماعي أهداف يرغب في تحقيقها ولهذا فإن أي جهاز اجتماعي يحتاج إلى وسائل لتوفير الموارد والتسهيلات التي تساعده لبلوغ أهدافه، وهذا يتمثل في النشاط الاقتصادي للمجتمع أو انتاج السلع والخدمات التي يحتاجها الناس ويختلف معني التكيف باختلاف الأجهزة الاجتماعية، فمثلاً تحتاج المدرسة إلى توظيف عدد من المدرسين الأكفاء وتوفير الكتب والتسهيلات اللازمة لأداء المهمة التعليمية، كما أن المصنع يحتاج إلى المواد الخام والعمالة حتي يستطيع أداء وظيفته وهكذا فالتكيف وإن كان لازماً لكل جهاز اجتماعي فإن تفاصيله تختلف من جهاز لآخر وكل جهاز يبحث في بيئته عن الموارد التي يحتاج إليها وعندما يجدها فإنه يسعى للحصول على ما يحتاجه منها ويبذل في ذلك ما في وسعه من جهد.
ب- بلوغ الأهداف Goal Attainment :
لا يكفي الجهاز الاجتماعي تحصيل الموارد اللازمة له، ولكنه يحتاج إلى استعمال هذه الموارد في تحقيق أغراض معينة، ويشمل ذلك على تحديد أي الأهداف التي يلزم "أو يفضل" استعمال الموارد من أجلها وبعبارة أخرى يحتاج الجهاز الاجتماعي إلى ترتيب الأهداف حسب أولوياتها وتخصيص الموارد لبلوغها في المجتمع طبقاً للأولويات الموضوعة ويضطلع بمهمة تحديد الأهداف، وتنظيم بلوغها في المجتمع الجهاز السياسي.
ج- التكامل Integration :
ومعناه المحافظة على درجة عالية من العلاقات المتبادلة بين مكونات الجهاز الاجتماعي ويستلزم ذلك وجود وسائل للفضل في المنازعات التي قد تنشأ بين أجزاء الجهاز الاجتماعي المختلفة، ويقول بارسونز أن السلطة القضائية هي الوسيلة التي يستخدمها المجتمع للتوسط في المنازعات الداخلية والتخلص من كل ما شأنه تهديد تكامل المجتمع كجهاز اجتماعي.
د- الصيانة Latency :
وتسمي أحياناً الكمون وتعني أنه يلتزم الجهاز الاجتماعي أن يداوم على تجنيد أعضاءه وتوزيعهم على المهام المطلوبة وتحفزيهم للعمل من أجله حتى يستمر وجود الجهاز وأدائه بصورة مقبولة وتنقسم الصيانة إلى قسمين هما :
1- المحافظة على الوضع القائم Pattern Maintenance :
ومعناها تزويد الأفراد بالقيم الأساسية للثقافة السائدة في الجهاز الاجتماعي وهذه هي وظيفة الأجهزة التعليمية والدينية في المجتمع التي تغرس في الأفراد عناصر الثقافة الأساسية للمجتمع، ونتيجة لذلك يحاول كل فرد أن يلتزم في سلوكه بما يحافظ على الوضع القائم ولا يمرضه للخطر.
2- احتواء المعاناه Tension Management :
ومعناها توفير الوسائل الكفيلة بالتغلب على المشكلات والضغوط الواقعة على أفراد الجهاز الاجتماعي، ويتضمن ذلك معالجة المشكلات التي يتعرض لها الأعضاء وتوفير فرص الراحة والترفيه لهم.
خامساً: مشكلات قياس الفعالية Effectiveness Measurement Problems :
هناك مشكلات وصعوبات تواجه الباحثين في دراسة الفعالية المنظمية أو المعايير التي تستخدم في قياسها، وتقديرها حيث أن الفعالية هي أحد أكثر المفاهيم غموضاً في علم الاجتماع، وعلى الرغم من أنها أصبحت مفهوماً رئيسياً في الدراسات الاجتماعية فإنه لا يوجد إتفاق حول ما يعنيه هذا المفهوم، وهناك مشكلتان أساسيتان تواجه قياس الفعالية المنظمية.
أولهما : مشكلة وضع نقطة مرجعية معيارية على أساسها يتم تحديد الفعالية نظرياً وأمبريقياً، والثانية : مشكلة تحديد معيار موضوعي يستخدم كمقياس فيما يتعلق بالدرجات المختلفة للفعالية.
ويمكن تحديد هذه المشكلات فيما يلي :
1- عدم ثبات مقاييس التقييم الموجودة حالياً.
2- اختلاف المقاييس وارتباطها بأوقات مختلفة.
3- تنوع المقاييس وتعارضها مع بعضها البعض.
4- عدم امكانية تطبيق بعض المقاييس لأنواع معينة من المنظمات.
5- صعوبة قياس بعض تلك المقاييس مثل التكيف.
وهناك بعض المشكلات الاخرى مثل:
6- هل تقاس الفعالية المنظمية في نقطة زمنية واحدة أم يكون القياس تطورياً عبر الزمن ؟ وقد أجاب Cammeron and whetten على هذا التساؤل حيث أوضحا أن الخيار الثاني هو الأفضل، فالمعايير الساكنة قد لا تأخذ في اعتبارها أن المنظمة قد تكون فعالة على المدى القصير وغير فعالة بمعايير الأجل الطويل أو العكس هو الصحيح.
7- هل يتم الاعتماد على معيار وحيد نهائي لقياس الفعالية أم يتم الاعتماد على عدة أبعاد لقياسها ؟ أن الميزة الأساسية للمعايير متعددة الأبعاد تكمن في أنها شمولية في متغيراتها من ناحية ولكنها من ناحية أخرى قد تحوي متغيرات غير متكاملة فيما بينها، كما أن الاعتماد على معيار نهائي وحيد تبسيطاً قد يخل بمفهوم الفعالية متعددة الأبعاد من ناحية وبنتيجة القياس من ناحية أخرى.
فالاعتماد على مقياس متعدد الأبعاد على الرغم من العيوب التى قد تنشأ عن تعدد أبعاده إلا أنه يظل أفضل من استخدام معيار واحد في قياس الفعالية المنظمية، فليست العبرة برضاء الموظف مثلاً عن عمله كمتغير واحد يمكن استخدامه لقياس الفعالية، وإنما لابد ان يؤخذ في الاعتبار كون العمل منتجاً انتاجية مربحة وأن انجاز الأعمال يتم في الوقت المحدد.
8- تتعلق هذه المشكلة باختيار مصدر المعلومات الذي تستمد منه المعلومات المتعلقة بمعايير الفعالية ، حيث تتعدد مصادر الحصول على هذه المعلومات فهناك المصادر الأولية والمتعلقة بسجلات المنظمة وتسمي البيانات الموضوعية وهي أقل تعرضاً للتحيز ويمكن قياسها كمياً، أما المصدر الآخر فيختص بالبيانات الذاتية والتي يتم تجميعها مباشرة من المستقصي منهم باستخدام المقابلة الشخصية، وهذا المصدر قد يعطي قدراً أكبر من المعلومات ولكنه يكون أيضاً أكثر عرضة للتحيز وعدم دقة البيانات. أما المصدر الثالث فهو مزيج من المصدرين الأولي والثاني وتكمن المشكلات في أن المنظمة قد تكون فعالة على أساس البيانات الذاتية في حين تكون غير فعالة بناءاً على البيانات الموضوعية.
سادساً : خصائص المنظمة الفعالة :
المنظمات الفعالة لابد أن تكون لها قواعد حاكمة أو خطوط مرشدة وهي ما تعرف بالاستراتيجية والتى يقصد بها المفهوم الشامل والعلاقات الموجهة للمنظمة والتي تمثل قرارات الإدارة الأساسية التي يتبلور أداؤها ومجهوداتها من أجل تحقيق الأهداف فالمنظمات التى تسير في أدائها وفقاً لاستراتيجية واضحة ومحددة تعتبر أكثر فعالية من تلك التى تفتقر إلى هذا الأساس الفكري للعمل والأداء.
وفعالية المنظمات تتحقق بتوافر العناصر الرئيسية التالية :
1- توافر إطار فكري للعمل والأداء يحدد ماهية المنظمة وطبيعتها وماهو المطلوب والذى يجب أن تكون عليه.
2- وجود أهداف واضحة ومحددة من خلال تحديد رسالة المنظمة ووظائفها ومهامها.
3- وضع الاستراتيجيات البديلة وتحديدها واختيار البديل الذي يؤدي إلى تعظيم تحقيق الأهداف، وتحديد الأولويات التي من الضروري التركيز عليها والتي يمكن في ضوئها اختيار أفضل البدائل المتاحة.
4- تحديد معايير الأداء والرقابة.
5- استخدام هذه المعايير لتحقيق التغذية المرتدة أو لتحقيق الرقابة الذاتية على النتائج.
6- مراجعة الأهداف والنتائج لتحديد الأهداف التي لم تحقق وأوجه النشاط غير المنتجة، واتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح الأداء.
7- استمرار وجود العنصر البشري في المنظمة.
8- توفير التدريب والعمل على وجود قيم اجتماعية يقبلها الأعضاء ومن بينها الموافقة على أهداف المنظمة.
9- توسيع نطاق الاتصال والتفاعل بين الأعضاء.
10- وجود تقسيم للعمل مبني على أساس من التخصص والأنشطة والواجبات.
11- تنظيم العلاقات بين مختلف أقسام المنظمة.
12- الحصول على الموارد اللازمة من البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية.
13- تحديد الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها العاملون وتعريف كل منهم بالدور الذي يجب عليه أن يؤديه وواجباته ومسئولياته.
14- التنسيق بين الأنشطة للمساعدة على تحقيق أهداف المنظمة.
15- العمل على حل النزاع الذي قد ينشأ داخل المنظمة.
ويجب أن يوضع فى الاعتبار أن المنظمات الفعالة تختلف فيما بينها في تحقيق أهدافها بدرجات متفاوته، كما تختلف عن المنظمات الآخري غير الفعالة، وهناك طرق متعددة وممارسات متنوعة لتحقيق الفعالية المطلوبة فمثلاً يمكن أن تستخدم المنظمة خطة عمل محكمة ومدروسة قائمة على التنسيق الجيد فتصل إلى الفعالية المطلوبة، وقد تكون خطة العمل في منظمة أخرى غير محددة التفاصيل ، وتصل أيضاً إلى درجة من درجات الفعالية، كما يمكن للمنظمة معالجة التغييرات التى تتعرض لها الفعالية بأن تبدأ بإجراء تغيرات في التنظيم الرسمي وترى تأثير ذلك على الأفراد الذين يمكن أن يستجيبوا لهذه التغيرات بالإيجاب، وكذلك فإن درجة الرقابة التي تمارسها الإدارة على الأفراد تختلف حسب اختلافات الأفراد والبيئة، فكلما زادت درجة التأكد من الظروف البيئية المحيطة فإن المنظمة تميل إلى ممارسة رقابة أشد مما يساعد على الوصول إلى الفعالية المطلوبة.